الحنفيُّ مذهباً، الشاذليُّ طريقةً، الدمشقيُّ أصلاً ومَوْلِداً
النشأة؛
* وُلِدَ الشيخُ في دمشق عامَ ١٩٥٩ م وفي شهرِ ربيعٍ الأَنور ولذلك سَمَّاه والِدُه محمَّداً -كعادة أهل الشام إذا أَقبَلَ مولودُهم في شهرِ المولِد- ، مِنْ عائلَةٍ دمشقية كريمةٍ نسبُها شريف يَتصِلُ بالآلِ الكرام إلى الإمامِ الحُسَين رضي الله تعالى عنه، وكذا السيدة فاطمةَ الزهراءِ رضي اللهُ تعالى عنها وأرضاها في بيتٍ مُتواضِعٍ مِنْ بيوتِ دمشقَ القديمة وفي حيٍّ دمشقِيٍّ عريق يُسَمَّى حي ساروجة.
* نَشَأَ الشيخُ على حُبِّ العلماء والصالحين مِنْ أحياءَ ومُنْتَقِلينَ ، وعلى اعتقادِهِ الخيرَ بهم اعتقاداً وَلَّد عندَهُ وُجْدانِيَّاتٍ لَمَسَها منه ورأى آثارَها عليه كُلُّ مَنْ عايَنَ طُفولَتَهُ لا سِيَّما شيخُه مُرَبِّيهِ وَوَالِدُهُ اللَّذَين كان لهما أَعظَمُ الأَثَرِ في تأسيسِهِ على ذلكَ ، في مُقدِّمَةِ مَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بهم مِنَ الْمُنْتَقِلِينَ عَلَمُ دمشقَ الشامِ وبَركَتُها سلطانُ العارفينَ سيدُنا الشيخُ محييُ الدِّينِ بنُ العَربي رضي اللهُ تعالى عنه المدفُونُ في سَفْحِ قاسَيونَ حيِّ الصالحية، فقد سَعَى في طَريقِ اللهِ بَحْثاً عن رضاهُ عَبْرَ تلك الأَذواقِ والحُبِّ الخالِصِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظفارِهِ.
طلبُهُ للعلم الشرعي؛
التَحَقَ الشيخُ بحلَقاتِ العِلْمِ طالِباً لِلْعلومِ الشرعِيَّةِ لا سيَّما في حَلقاتِ فضيلةِ الشيخِ العلامة صالحٍ الفرفورِ رحمه اللهُ تعالى ، ثم أَكْرَمَهُ اللهُ بمعرفَةِ الكثيرِ مِنْ أعيانِ عُلَماءِ دمشق الشامِ فاسْتَقَى مِنْ مَعاني السُّلوكِ الزاكِي ما دَفَعَهُ للالتِزامِ على أَحَدِهِمْ وهو أَمينُ سِرِّ السَّيِّدِ محمد الهاشمي شيخِ الطريقَةِ الشاذِلِيَّةِ الشيخِ محمد شهير عربي كاتبي الصيادي الرفاعي الحَسِيبِ النَّسيبِ الذي كان له الفَضلُ الأَكبرُ على الشيخِ في كَشْفِهِ عيوبَ النَّفْسِ وبنائهِ الشخصيةَ السَّليمةَ عقيدةً ومَنْهَجاً في الداعِي إلى الله تعالى ، فأَخَذَ عنه الطريقَ وتلقَّى بصحبَتِهِ دعائمَ السلوكِ في أجواءٍ قَلَّ نَظيرُها عِلْماً وعَمَلاً ، فَلازَمَهُ إلى قُبَيْلِ وفاتِهِ مُتَفَهِّماً مَنْهَجَ الطريقةِ الشاذليَّةِ العَلِيَّةِ ، ثم بعد وفاةِ الشيخِ جَدَّدَ العهدَ على صِنْوِ الشيخِ شهيرٍ وأخيهِ في الطريق العارفِ الكبير فضيلةِ الشيخ عبد الرحمن الشاغوري رحمه الله فَأَخَذَ مِنْ أَفضالِهِ وأَنوارِهِ ما زادَهُ تمَكْيناً لاسيَّما في الكثيرِ مِنَ المجالِسِ الخاصَّةِ.
هذا؛ وقد أُجيزَ مِنْ أشياخِهِ في الطريقِ بمبادئه وثوابِتِ التَّسليكِ فيه وبالوِرْدِ العامِّ والخاصِ وبِكُلِّ ما يَرْتَبِطُ بالسلوك تربيةً وتزكيةً بما تَعلَّمه منهم.
* قَرأَ القرآنَ على أَحَدِ أبناءِ العارفِ باللهِ فضيلةِ الفقيهِ الرَّباني بركةِ زمانِهِ الشيخِ محمودٍ الحبَّال رحمه الله تعالى بإذنٍ منه ومِنْ مُرَبِّيهِ الأولِ الشيخِ شهيرٍ وذلك للاستزادَةِ مِنْ دقائقِ الضَبْطِ التي عُهِدوا بها بقراءَةِ حَفْصٍ عن عاصم ، ولِبَركَةِ السَّنَدِ الْمُتَّصِل. عِلْماً أَنَّ الشيخَ الفحام كان في دائرةِ الشيخِ محمودٍ كأحَدِ أبنائه لذا تأَثَّرَ مِنْ حالِهِ أَيَّما تأثُّر.
* ثم إنَّ ما يَجْدُرُ ذِكْرُهُ عَلاقَتُهُ السَّامِيَةُ بعالِمِ الأُمَّةِ الإمامِ الشهيدِ السعيدِ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي عليه الرحمة والرضوان والذي كان له مكانَةٌ كبيرةٌ عندَهُ فلقد كانَ بمثابَةِ الولَدِ لِوالِدِهِ لا سيَّما في سَنواتِهِ الأَخيرةِ حتى اسْتشهد رحمه الله وأجزلَ له المثوبةَ.
عملُه الدعوي؛
* بدأَ الشيخُ دعوتَهُ إلى الله تعالى في مُنْتَصَفِ السبعيناتِ عبرَ المساجِدِ خطابَةً وتدريساً، ثم كُلِّف بالاستقرارِ في أَحَدِ مساجِدِ دمشقَ للتدريس والخَطابَةِ وإنْشاءِ مَنْهَجِ الطريقِ والسُّلوكِ، فاستقامَ على ذلك أكثرَ مِنْ ثلاثةِ أجيالٍ عَمَّتْها العطاءاتُ العلمية بالعديد من موادِّها، ومجالس الذكر والعبادة بأنواعها، فكانت رحلةً دَعَوِيَّةً عامِرَةً بالخيرِ والبركَةِ ومجالاً فَتَحَ آفاقاً واسعةً مِنَ التَّجربةِ بالاحتكاكِ مع صُنوفِ طَبقاتِ المجتمعِ فَأَثْمَرَ مِنَ الخَيراتِ والبركاتِ الدَّعَويةِ ما وَسَّعَ مجالَ العِلْمِ والتَّعَلُّمِ والتعليمِ للهِ وباللهِ ومِنْ أَجْلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ.
* ثم إنَّه اسْتَقَرَّ به الْمُقامُ دَعَوِياً مُدرِّساً وخَطِيباً في مسجدِ الشيخِ الأكبرِ محييِ الدِّينِ بنِ العربي رضي الله تعالى عنه، كَمَا انْتَشَرَ نَفْعُهُ في مَسجِدِ بني أُمَيَّةَ الكبيرِ تحتَ قُبَّةِ النَّسْرِ مُدَرِّساً لِمادةِ التربيةِ السُّلوكِيَّةِ -التصوف- بجوهرِهِ وجُذورِهِ السَّليمةِ، مِنْ مَصادره المعتَمَدَةِ كإحياءِ علومِ الدِّين للإمامِ الغزاليِّ وغيرِهِ وذلك بتزكية وترشيحٍ مِنَ الإمامِ الشهيدِ السعيدِ البُّوطي رحمه الله تعالى، فدرَّسَ الحديثَ الشريفَ، والفقهَ والسِّيرةَ والتوحيدَ وغيرها من العلوم مِنْ أُمَّهاتِ الكُتُبِ ناقِلاً ذلِكَ بأَمانَةٍ على قواعِدِ العِلمِ التي اسْتقاها مِنْ ذوي الفَضلِ والفضيلة مَشايِخِهِ الكِرامِ رضي الله عنهم مع التوثيقِ بالتحضيرِ لِلأمانةِ العلمية.
* خاتِمَةُ هذا الباب؛ لِنَعْلَمْ أن منهج الشيخ في السير سَفَراً إلى اللهِ تعالى هو أنَّ الأساسَ الذي يَنْبَغِي أنْ تُبْنَى عليه مَبادِئُ الدَّعوةِ إلى اللهِ تعالى أنْ يَعتَقِدَ الداعي إلى اللهِ الخيرَ والكَمالَ بالنَّاسِ، مع رؤيةِ التقصيرِ تُجاهَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ ، كَمَا أنَّ عليه أنْ يَبْقَى طالِبَ عِلْمٍ حياتَهُ كلَّها، وإلى آخِرِ نَفَسٍ، لا يَبْخَلُ على نفسِهِ مِنَ الفائدةِ ولا الاستفادَةِ، قاعِدَتُهُ الأساسُ ما وَرَدَ عن بعضِ السَّلَفِ ؛ [لا يَزالُ الْمَرءُ طالِبَ عِلْمٍ ما لم يَظُنَّ أَنَّهُ عَلِمَ -أي : مطلقاً- ، فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلِمَ فقد جَهِلَ]، وذلك لِلْعَيْشِ في محرابِ مِعراجِ الرُّقِيِّ السَّامِي إلى اللهِ تعالى في رحابِ المرادِ مِنَ الأَثَرِ النَّبَوِيِّ المشهور القائل : « . . . مَنْ جاءَهُ أجلُهُ وهو يَطْلُبُ العلمَ ماتَ وهو شهيد».
رحلاته وأسفاره؛
* قام الشيخُ بِعِدَّةِ رحلاتٍ دَعَوِيةٍ ومُشاركاتٍ رسميَّةٍ في مُؤْتَمَراتٍ إسلامية، ومُلتَقَياتٍ فِكْرِيَّةٍ كان مِنْ أَبْرَزِها مُلْتقَى الدروسِ المحمديَّةِ في الزَّاويةِ البَلقائدية في الجزائر ، ومؤتمر التصوف في المغرب ، ولقاءاتٍ عديدةٍ لمحاضراتٍ مُتنوعة في العديد من العلوم الشرعية والسلوك في المؤسسات العلمية في الباكستان وغيرها.
المؤلفات؛
لم يألُ الشيخُ جُهداً في استمرارِهِ نَشْرَ العِلْمِ عَبْرَ مُؤَلَّفاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ شَمَلَتِ العديدَ مِنَ العلومِ والفوائدِ على النِّظامِ الفقهي والاجتماعي والسلوكي، فَأَلَّفَ كتابَ مَنْهَج وجداني لحَجٍّ رَباني في مُجَلَّدٍ كبيرٍ مُترجِماً فيه المعانيَ الرُّوحيَّةَ والمقاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ والحكمةَ الربانية مِنْ فرضيَّةِ الحجِّ لِيَكونَ حَجَّاً مبروراً إلى اللهِ وللهِ ظاهِراً وباطِناً، وأَلَّفَ كتابَ سعادة الأبناءِ في بِرِّ الأُمَّهاتِ والآباء تأليفاً مَنْهَجِيَّاً مِنْ بابَيْنِ وفُصولِهما مُنَوِّهاً فيهما عن أَهَمِيَّةِ البِرِّ وخَطَرِ العقوقِ في حياةِ الْمَرْءِ، وأَلَّفَ كتابَ عيادة المريض في الإسلام أتى فيه على كُلِّ ما يَتَعَلَّقُ بالمريضِ بَدْءاً بآدابِ العِيادَةِ مع كُلِّ تَقسيماتِها وانْتِهاءاً بتقريرِ الركائزِ والآدابِ التي بَنْبَغِي أنْ يَتَحَلَّى بها الطبيبُ، وتَكَلَّمَ عن أهميَة الرحمةِ في حياةِ المسلمِ فَأَلَّفَ كتاباً عن ذلك بعنوان من مناهج الرحمة في الاسلام، وأَلَّفَ كتابَ لُمَع وبوارق مِنْ كلامِ أهلِ الحقائق شرحَ فيه حِكَماً لِلإِمامِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ رضي اللهُ تعالى عنه كَشَفَ فيه للسالك عن أذواق أهل الله برابِطِ الدليل، وتَحَدَّثَ عن مَنْهَجِ التصوُّفِ في رسالةٍ كمقدِّمة لمخطوطَةٍ عندَه كبيرة أسماها مَدْخَل للتعرُّف على الصوفيِّ والتصوُّف، كَمَا أَنَّه تَرْجَمَ حُبَّهُ للرسولِ الأعظم ﷺ في رسالةٍ أسماها إتحاف المحبِّين في أسرارِ الصلاةِ على سيِّد النبيين ﷺ، وكتاب تحفة الخلق في حُسْنِ الخُلُقِ. وألَّفَ كتاب في رحاب سورة النور توسَّعَ فيه بالكلامِ عن الجوانِبِ المرادة من السُّورةِ لا سيَّما الأحكام المتعلِّقة بفِقْه المرأة، وَوَقَفَ وِقْفَةً واسِعَةٍ عندَ حادِثَةِ الإفكِ المتعلقة بالطاهِرَةِ الزكيَّة أُمِّنا السيدةُ عائشة رضي الله تعالى عنها، وغيرِها مِنَ الأحكام.
أقول: وغيرُها مِنَ الكتبِ التي بَلغَتْ فوق الثلاثين كتاباً.
البرامج المتلفزة؛
أعدّ الشيخُ وقَدَّم برامِجَ عديدةً عُرِضَ العديدُ منها على بعضِ الفضائياتِ، مِنْ أبرزِها، سِلْسِلَةُ برنامج هذا هو التصوف بِعِدَّةِ مواسم في مائة وعِشرينَ حَلْقَةً تَكَلَّمَ فيها عن حَقيقةِ التصوُّفِ بأدلَّتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وجُذورِهِ الصحيحة، كَشَفَ فيها عن الفَرْقِ بينَ الصوفيِّ الحَقِّ، وأَدعياءِ التَّصَوُّفِ، وسلسلة برنامج صُوَرٌ مُسْتَطابَة مِنْ دوحاتِ الصحابة بخمسةِ مواسِمَ في مائةٍ وخمسينَ حلقة عَرَضَ فيها صُوَراً آسِرَةً مِنْ مواقِفِ الصحابةِ الكرام رضي الله تعالى عنهم لا يُمْكِنُ أنْ تَغيبَ عن أذهانِ الْمُتابِعينَ حيث وضَّحَتْ ثوابِتَ التربيَةِ النبويَّةِ بعظَمَةِ الْمُربي الأَوَّل رسولِ الله ﷺ ما تَزيدُهُمْ صِلَةً برسولِ اللهِ ﷺ وأصحابه الكرام، وبرنامج شرح رياض الصالحين من جِوارِ سُلطانِ العارفين بلغت حلقاته فوق الثلاثمائة، وكذا شرح إحياء علوم الدين في برنامج علم وعلماء تحت قبة النسر.
ولا يزال يسعى لنشر العلم والدعوة إلى الله عبر تلك البرامج وغيرها راجياً المولى الكريمَ دوامَ السَّترِ وتحقيقَ القبولِ، وبلوغَ المأْمولِ بحرمةِ صاحبِ الفَضْلِ الأَوَّلِ ومَنْ عليه الْمُعَوَّلُ سيدِنا الرسولِ ﷺ.
هذا؛ وباللهِ التوفيقُ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.