الخَطَرُ الدائمُ في ابنِ آدَمَ
كُتبت منذ 3 أشهر
عن أنسِ بنِ مالِكٍ رضي اللهُ تعالى عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:
«يَهْرَمُ ابنُ آدَمَ، ويَبْقَى معه اثنان: الحِرْصُ وطُولُ الأَمَل»
| أحمد والشيخان والنسائي |
· يَهْرَمُ ابنُ آدَمَ؛ الهَرَمُ كِبَرُ السِّنِّ يُصاحِبُهُ الوَهْنُ والضَّعْفُ، وعُنْوانُ قُرْبُ الأَجَلِ.
· ويَبْقَى معه اثْنانِ؛ أي: يَسْتَحْكِمُ فيه خَصْلَتانِ اثْنتانِ لا تَنْفَكَّانِ عنهُ إلى مُنْتَهَى أَجَلِهِ.
· الحِرْصُ؛ يُتَرْجِمُ الجَشَعَ والتَّعَلُّقَ بِما مَضَى مِنْ قُوَّةِ الشَبابِ والاقتدارِ على مَطالِبِ النَّفْسِ.
· وطولُ الأَمَلِ؛ باسْتِبْقاءِ ما عاشَهُ مِنَ الدَّعَةِ والرَّخاءِ وهوى النَّفْسِ، أو اسْتِرْجاعِ ما غابَ شَمْسُهُ مِنْ هِمَّةِ الشَّبابِ، وعَزائمِ الحِسِّ، ومعلومٌ أنَّ الإنسانَ مَجْبُولٌ على حُبِّ الشهواتِ كما قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ)، فَطُولُ الأَمَلِ بِما ذَهَبَ مِنَ الدنيا، وبادَ مِنْ مُتَعِها سَلْبٌ لا إيجابٌ (يَحْسَبُهُ الظَمْآنُ ماءً)، وسبيلُ الخَلاصِ مِنْ ذُلك هو الأمَلُ باللهِ تعالى لِلنَّجاةِ مِنْ دارِ الغُرورِ بِمضاعَفَةِ الطاعاتِ والتبل في محرابها للنجاة مَعَ طَلَبِ القَبُولِ لِلعباداتِ والحِرْصِ على حُسْنِ الخِتامِ بمراقبةِ الجَبَّارِ؛ وعليه؛ ففي الحديثِ تَنْبيهٌ نَبَوِيٌّ وتحذيرٌ منه صلى الله عليه وسلم تربويٌّ مِنَ الْمَيْلِ الى تلكَ الأَوْهامِ التي تُودِي بِصاحِبِها إذا أَسَرَتْهُ إلى مَهاوي الهَلاكِ، وتَنْحَدِرُ به إلى سوء الختام أعاذنا الله.
· تنبيه جليل؛ يقولُ الحافِظُ المناوي في شرحِهِ: الشهوةُ ظُلُماتٌ ذاتُ رياحٍ هفَّافَةٍ، والرِّيحُ إذا وَقَعَ في الأُذُنِ أَصَمَّتْ، والظُّلْمَةُ إذا حَلَّتْ بالعَيْنِ أَعْمَتْ، فَلَمَّا وَصَلَتْ هذه الشَّهْوةُ إلى القلبِ حَجَبَتِ النُّور، فإذا أَرادَ اللهُ تعالى بِعَبْدٍ خيراً قَذَفَ في قَلْبِهِ النُّورَ، فَتَمَزَّقَ الحِجابُ، فذلِكَ تَقْواهُ، به يَتَّقِي مَساخِطَ اللهِ، ويَحْفَظُ حُدودَهُ، ويؤَدِّي فَرائضَهُ، فإذا أَشْرَقَ الصَّدْرُ بذلِكَ النُّورِ تأَدَّى إلى النَّفْسِ فَأَضاءَ، وَوَجَدَتْ له النَّفْسُ حَلاوَةً وطَلاوَةً ولَذَّةً تُلْهِيهِ عن شَهواتِ الدُّنيا وزُخْرُفِها، فَيَحْيَى قلبُهُ، ويَصِيرُ غَنِيّاً باللهِ الكريمِ في فِعالِهِ سبحانه الحيِّ في دَيْمُومَتِهِ، القَيُّومِ في مُلْكِهِ، والنَّفْسُ حينئذٍ بِجِوارِهِ، وفي غِناءِ الجارِ غِناءٌ، فَصارَتْ تَقْواهُ في قَلْبِهِ، وهو في ذلكَ النُّورِ، وغِناهُ في نَفْسِهِ طُمَأنينَتُها ومَعْرِفَتُها أينَ مَعْدِنُ الحاجات، وحُكْمُ عَكْسِهِ عَكْسُ حُكْمِهِ أعاذَنا اللهُ تعالى من ذلك.
·فاللَّهُمَّ! احْفَظْنا مِنَ الْمَيْلِ إلى الهوى، وأَعِذْنا مِنَ الْهُوِيِّ في مَهاوِي الضَّياعِ والأَوْهامِ ويَقِّظْ قلوبَنا، ونَوِّرْ عقولَنا على الدوامِ لِضمانِ المآلِ إلى نهايَةِ العُمُرِ على ما يُرْضِيكَ يا ذا الجلالِ والإكرام يا ذا الطَّوْلِ والإِنْعام.