الشيخ محمد الفحام
من جوامع الكلم النبوي || 330

من جوامع الكلم النبوي || 330

أخطارٌ تُدْخِلُ صاحبَها النَّارَ

كُتبت منذ شهرين

شارك المقال عبر :

عن ابنِ عمرَ رضي اللهُ تعالى عنهما  قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: 

«ثلاثةُ لا يَدْخُلونَ الجنَّةَ؛ العاقُّ لِوالِدَيْهِ، والدَّيُّوثُ، ورَجُلَةُ النِّساء»

| الحاكم والبيهقي |

· ثلاثةٌ؛ ليس العدَدُ على سبيلِ الحَصْرِ، فَهنالِكَ غيرُهم أيضاً ذُكِروا عَبْرَ الْمُناسَبَةِ والتَّوجِيهِ النَّبَويِّ الحَكيمِ، يُوعَظُونَ بما يُحيي قلوبَهُمْ ويُيَقِّظُ عقولَهم، ويجعلُهُمْ رُسُلاً لِمَنْ وراءَهم قَولاً وفِعْلاً، دَعْوَةً إلى اللهِ دائمَةً ونَهْضَةً بالْمُبَلَّغِينَ، نشراً لأفعالِ البِرِّ والفلاح في الأُمَّةِ بالتحذيرِ مِنْ نَقِيضِها مِنْ مَزالِقِ الشُّرورِ والفُرْقَةِ والتَّمْزيق. 

·لا يَدْخلونَ الجَنَّةَ؛ أي: مع السَّابِقِينَ الأَوَّلينَ، أو مِنْ غيرِ سَبْقِ عَذابٍ، أو سؤالِ حِسابٍ لِلْعِقابِ، إلَّا أَنْ يَسْتَدْركُوا على أَنْفُسِهِمْ بالتوبةِ النَّصوحِ قَبْلَ أَنْ يَحِينَ الأَجَلُ وذلكَ بتمامِ الرُّجوعِ إلى إِحقاقِ الحَقِّ بِميزانِ الشَّرْعِ الحَنيف. 

·العاقُّ لِوالِدَيْهِ؛ العَقُّ: الشَّقُّ يقالُ: عَقَّ ثَوْبَهُ كَما يقال: شَقَّهُ بمعناهُ، ومنه يقال: عَقَّ الولَدُ أَباهُ عُقوقاً إذا عَصاهُ، وتَركَ الإحسانَ إليه فَهو عاقٌّ. والعقوقُ مِنَ الكبائر التي تَهْوي بِصاحِبِهِا في الْمهالِكِ ذلكَ أَنَّ اللهَ تعالى رَهَنَ قَبولَ عبادةِ العبدِ الْمُكَلَّفِ بِبِرِّ والِدَيْهِ، والعَكْسُ بالعَكْسِ ففي بيانِ اللهِ تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلاً كَرِيما) لاحِظْ أخي القارئ! كيف أَنَّ اللهَ تعالى قَرنَ عبادَتَهُ التي جاءَتْ بالحَصْرِ أَنَّهُ لا مَعبودَ سِواهُ، قَرَنَها بالإحسانِ للوالِدَيْنِ بواوِ العَطْفِ التي تُفِيدُ التَّشْريك أي: هذه مَقرونَةٌ بهذه لِلْقبولِ عندَهُ جاعِلاً ذلكَ سبحانَهُ عَمَلاً مِنْ أَجْلِهِ وشَرْطاً لا يُتَخَطَّى بحال، بِمَعْنَى أَنَّ العبدَ لو صَلَّى وصامَ وحَجَّ وزكَّى وعبدَ اللهَ بِكلِّ ألوانِ العباداتِ وهو عاقٌّ فَعبادَتُهُ مَوقوفَةٌ على الرجوعِ إلى الله تعالى ببرهما وعليه؛ فلا يُعَدُّ مَرْضِيّاً عندَ اللهِ تعالى حتى يُرْضِيَهما بِبِرٍّ خالِصٍ لا شائِبَةَ فيه ولا مَنْفَعَةَ هوىً دُنْيويَّة عندَ قَصْدِ أدائه. تَدَبَّرْ معي قولَهُ تعالى: (رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّٰبِينَ غَفُوراً)، وهذا تحفيذٌ لِلْمُقَصِّرينَ في أَنْ يُسارِعُوا بالرُّجوعِ إلى اللهِ لِلْقَبولِ عندَهُ عَبْرَ بِرِّهما ودوامِ الإحسانِ إليهما، ويَتُوبُ اللهُ على مَنْ تابَ.

·والدَّيُّوثُ؛ الذي يَرى الْمُنْكَرَ على أَهْلِهِ فَيَسْكُتَ ويَرْضَى بذلِكَ ولا يُغَيِّر، فَكَأَنَّهُ بذلِكَ يُذَلِّلُ الْمُنْكَرَ ويُلِينَه للغير عياذاً باللهِ تعالى. 

·ورَجُلَةُ النِّساءِ؛ الْمُتَشَبِّهةُ بالرجالِ في هَيْئَتِها ولِباسِها، فَلِلْمَرأَةِ أُنُوثَتُها التي جَمَّلَها الله تعالى بها، وعِفَّتُها التي بها شَرَّفَها ، وتَكْوينُها الذي جَعَلَها مَطْلُوبَةً لا طالِبَةً، وعَزيزةً، لا مُهانَةً فَلَوْ أَخَلَّتْ في ميزانِ شَرعِ ربِّها بِنَقْضِ الفِطْرَةِ التي فَطَرَها اللهُ عليها لَحَدَثَ خَلَلٌ يَخْرِقُ بُنْيانَ الفَرْدِ والجماعَةِ. ولَعَلَّنا هنا نَعلَمُ حِكْمَةَ الشَّرْعِ الحَنيفِ مِنْ لَعْنِهِ النساءَ الْمُتَشَبِّهاتِ بالرِّجالِ، والرِّجالَ الْمُتَشَبِّهِينَ بالنِّساء. ذلك أَنَّهُ مُسْتَحيلٌ تَحقِيقُ سَلامَةِ المجتمع بِمعاكَسَةِ الأَمْرِ الإلهيِّ قال تعالى: (أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ)