الشيخ محمد الفحام
من جوامع الكلم النبوي || 331

من جوامع الكلم النبوي || 331

خَطَرُ الْمَيْلِ إلى ثَناءِ الخَلْقِ

كُتبت منذ شهرين

شارك المقال عبر :

عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ تعالى عنهما  قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: 

«حُبُّ الثَّناءِ مِنَ النَّاسِ يُعْمِي ويُصِمُّ»

| الديلمي في الفردوس|   

·حُبُّ الثَّناءِ؛ مَيْلُ القَلْبِ إلى مَدْحِ النَّاسِ له بما تَرْغَبُهُ النَّفْسُ مِنْ تَوْصِيفٍ ترَكَنُ إليه وتَشْهَدُهُ لا تَشْهَدُ سِواهُ، بل وتَطْلُبُهُ بالحالِ قَبْلَ القال مُتَرْجِمَةً ذلكَ بالرِّضَى عندَ الْمَدْحِ والاسْتِبْشارِ والسُّرورِ، والسُّخْطِ عندَ خِلافِهِ لاسيَّما إذا أَعْقَبَهُ نُصْحٌ هادف، ونَقْدٌ بَنَّاءٌ، فَيَتَسَخَّطُ أكثرَ فأكثر، وربَّما أَسْقَطَ صاحِبَهُ بِنَقْدٍ جارحٍ وتَجهيلٍ ظالمٍ، والعِلَّةُ في ذلك الْمَقْصِدُ السَّيِّئُ مِنِ ابْتِدارِ العملِ الذي يَنْبَغِي أنْ تَسْبِقَهُ النِّيَّةُ الخالِصَةُ بابْتِغاءِ وَجْهِ اللهِ تعالى، فَمَعْكُوسُ القَصْدِ لا يُوصَفُ إلَّا بِباطِنِ الإثمِ الذي لا يُنْتِجُ إلَّا عُجْباً ورِياءً وذلك بشهودِ عَمَلِهِ غَيْبَةً عن خالِقِهِ والْمُوَفِّقِ إليه، وهذا هو الموصوف بالشِّرْكِ الخَفِيِّ الحاجِبِ عن أَنوارِ التوحيدِ الخالِصِ. ومَعلومٌ في الحديثِ الصحيح: «إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّباً» أي: إِنَّهُ سبحانَهُ وتعالى لا يَقْبَلُ مِنَ الأَعمالِ، إلَّا ما كانَ خالِصاً مِنَ الْمَفْسَدَةِ كَباطِنِ الإثمِ وما يَتَّصِلُ به مِنْ مَيْلِ القلبِ أَثناءَ العملِ مِن مَدْحٍ أو ثَناء. 

 

·مِنَ النَّاسِ؛ النَّاظِرينَ إليه والشَّاِهِدينَ فِعْلَهُ، وذلك لِلعِلَّةِ السالِفِ ذكْرُها في أَنَّ العملَ ما شرع إلَّا لِتَحْقيقِ التوحيدِ الخالصِ الذي ما يَنْبَغِي أَنْ يكونَ إلَّا للهِ، هذا؛ ومِنْ عَلامَةِ ركونِهِ إلى النَّاسِ: أَنَّهُ يَنْشَرِحُ عندَ الْمَدْحِ، ويَنْقَبِضُ عندَ الذَّمِّ فَلَوْ كانَ يَشْهَدُ مَولاهُ بالْمُراقَبَةِ الخالِصَةِ عَبْرَ مَفْهومِ قولِهِ : «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك»، فَلا راحَةَ لذي القَلْبِ السَّليمِ إلَّا بِسلامَةِ العلاقَةِ مع اللهِ تعالى أَمْراً ونَهْياً، عَطاءً ومَنْعاً، وفي ذلكَ ما فيه مِنْ سَلامَةِ العبدِ يومَ الحِسابِ بيَن يدي الدَّيان. 

 

· يُعْمِي؛ أي: يَعمَى عن رؤيةِ طَريقِ الحَقِّ والرَّشَدِ بِسَبَبِ ظُلْمَةِ الهَوَى والْمَيْلُ إلى عاجِلَةِ الْمَطْلَبِ مِنْ تلكَ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ التي لم تَعُدْ تَرى حتى صحيحَ المحسوسِ مِنْ سَقِيمِهِ.

 

·ويُصِمُّ؛ يُغْلِقُ السَّمْعَ عنِ الإصْغاءِ لِكَلِمَةِ الحَقِّ، أو الركونِ إلى أَهلِهِ بِعِلَّةِ غَلَبِيَّةِ ذلك الهوى لِيَفْقِدِ الرَّادِعَ مِنْ عَقْلٍ ودِين، ثم يَغدُو أَعمَى البَصَرِ والبَصيرةِ، فَيَبْعُدُ عنْ مَسْلَكِ الفَهمِ عنِ اللهِ تعالى ورسولِهِ ، وعنِ الرَّشادِ في الوُقوفِ على مَتْنِ الحَقِّ مِنْ أَجْلِ الحَقِّ سبحانَهُ. 

        وعليه؛ فَهُنا يَكْمُنُ الخَطَرُ في أَنَّ مِثْلَ هذا العبدِ مَحْجوبٌ عنِ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ الهادِي إلى مَقامِ التَّعَرُّفِ على الْمُشَرِّعِ الواحِدِ الأَحَدِ عَزَّ وَجَلَّ. 

       فاللَّهُمَّ! أحْسِنْ خَلاصَنا مِنْ هوى النَّفْسِ وشَرَكِ ظاهِرِ الإثمِ وباطِنِه وأَحْسِنْ عاقِبَتَنا في الأمور كلها ياربَّ العالمين.