السلامُ قَبْلَ الكَلامِ
كُتبت منذ 5 أيام
عن جابر بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:
«لا تأذَنُوا لِمَنْ لم يَبْدَأْ بالسَّلام»
|البيهقي والضياء|
· لا تأْذَنُوا؛ إِرشاداً ونَدْباً كَمَا أَشارَ أَهلُ العِلْمِ ذلكَ أَنَّ هذا التذكيرَ الْمُسْتَدامَ يُوَجِّهُ للاسْتِمْساكِ بتلكَ السُّنَّةِ الجَليلةِ التي هي «السلامُ» لِما فيها مِنَ الأَجْرِ مِنْ جانب، وراحَةِ الْمُسَلَّمِ عليه وطُمَأْنِينَتِهِ مِنْ جانِبٍ آخَرَ ذلكَ أَنَّ السَّلامَ تحيَّةُ أهلِ الإسلام، وأَهلِ الجِنان.
· لِمَنْ لم يَبْدَأْ بالسلام؛ أي: لأَيِّ إنسانٍ يَسْتَأْذِنُ بالدُّخولِ، أوالجُلوسِ، أو الكَلامِ أو نحوِ ذلك، ذلكَ أَنَّ السَّلامَ قبلَ الكَلامِ في كلٍّ، وتَنْبيهاً على أَنَّ إهمالَ السَّلامِ ابتداءً يولد الجفوة والبَيْن فليس هو وجيهاً بحال، وعليه؛ فلا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ غافِلٍ عن الهَدْيِ النَّبَوِيِّ الكريم، ومَقْصِدِهِ الرَّشيدِ.
·خاتمة مهمة؛ لِنَعْلَمْ أَنَّ لِلسَّلامِ قَبْلَ البَدْءِ بأَيٍّ مِمَّا ذُكِرَ وتَوابِعِهِ أَهَمِّيةً جَليلةً، وفائدةً عَظيمةً. مِنْ ذلك؛ الشُّعورُ بالأَمْنِ والأَمانِ، ومنه؛ الاسْتِبْشارُ بانْفِتاحِ الأَخِ على أَخيهِ عَبْرَ التَّلَقِّي الذي أَوْجَبَهُ الدِّينُ ألا وهو ردُّ السلام، ولْنَقُلْ: رَدُّ التَّحِيِّةِ بِمِثْلِها، أو بأَحْسَنَ منها كما قال وَجَّهَ إلى ذلك البيان الإلهي بقوله: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا)
ومِنْ كتابِ الأذكارِ هذه الخُلاصَةُ باختصار؛
في أبي داودَ والترمذيِّ والدارمي مِنْ حديثِ عِمْرانَ بنِ الحُصَيْنِ قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فقال: السلامُ عليكم، فَرَدَّ عليه، ثم جَلَسَ، فقال النَّبِيُّ ﷺ: «عشر»، -أي: عَشْرُ حسناتٍ- ثم جاءَ آخَرُ، فقال: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، فَرَدَّ عليه، فَجَلَسَ، فقال: «عِشْرونَ»، -أي: عشرون حسنة- ثم جاءَ آخَرُ، فقال: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، فَرَدَّ عليه، فَجَلَسَ، فقالَ ﷺ: «ثلاثون» -أي: ثلاثون حسنة-
وفي روايةِ أبي داودَ مِنْ حديثِ معاذِ بنِ أَنَسٍ رضي اللهُ تعالى عنه قال: ثم أَتى آخَرُ، فقال: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومَغْفِرَتُهُ، فقال ﷺ: «أربعون» وقال: «هكذا تكونُ الفضائلُ»
قال الإمام النوويُّ رحمه اللهُ تعالى: اعْلَمْ أنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يقولَ الْمُسْلِمُ (السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ)، فَيأْتي بِضَميرِ الجمعِ وإنْ كانَ الْمُسَلَّمُ عليه واحِداً، ويقولُ المجيبُ: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، ويأتي بواوِ العَطفِ في قولِهِ: (وعليكم)
هذا؛ وفي كتابِ ابنِ السُّنِّيِّ بإسنادٍ ضعيفٍ عن أنسٍ رضي اللهُ تعالى عنه قال: كانَ رجُلٌ يَمُرُّ بالنبي صلى الله عليه وسلم يَرعى دوابَّ أصحابِهِ، فيقول: السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، فيقولُ له النَّبيُّ ﷺ: «وعليكَ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومَغفرتُهُ ورِضوانُه»، فقيل: يا رسولَ اللهِ، تُسَلِّمُ على هذا سَلاماً ما تُسَلِّمُهُ على أَحَدٍ مِنْ أَصحابِكَ؟! قال: «وما يَمْنَعُنِي مِنْ ذلك، وهو يَنْصَرِفُ بأَجْرِ بِضْعَةَ عَشَرَ رجُلاً» والمعنى؛ أي: بِعَدَدِ أصحابِهِ الَّذينَ يقوُم بِخِدْمَتِهِمْ، فَيُعِينُهُمْ على القيامِ بالطَّاعَةِ.
والخلاصة؛ أنَّ السَّلامَ وَرَدَّهُ مَصدرٌ جليلٌ مِنْ مَصادرِ التَّحَبُّبِ وتوليدِ طاقاتِ الحُبِّ للهِ ومِنْ أَجْلِهِ سبحانَهُ بالإيمانِ والعَوْنِ على تَقْوِيَةِ آصِرَةِ الأُخُوَّةِ التي يَنْبَغِي أنْ تَبْقَى على أَلَقِها، ومَدْخَلٌ هامٌّ مِنْ مَداخِلِ الاعترافِ بالفَضْلِ مِنَ الأَخِ تجاه أخيه، لا سيَّما إذا صاحَبَهُ المصافَحَةُ التي بها تَحاتُّ الذنوبُ كَتَحاتِّ وَرَقِ الشجَرِ، فَأَنْعِمْ به مِنْ مَنْهَجٍ راشِدٍ يَجْمَعُ النَّاسَ على كَلِمَةٍ سواء تَرْفَعُ، وتَنْفَعُ، وتَمْنَعُ.
ختاماً؛ في ابن ماجه، وابنِ السُّنِّيِّ عن أبي أمامَةَ رضي اللهُ تعالى عنه قال: أَمَرنا نَبِيُّنا أَنْ نُفْشِيَ السلامَ.
وفي مسلمٍ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لا تَدْخُلُونَ الجنةَ حتى تؤمِنُوا، ولا تؤمِنُوا حتى تَحابُّوا، أولا أَدُلُّكُمْ على شَيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تحابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السلامَ بينكم» اهـــ باختصار