هَلاكُ الْمَرءِ في التَّكَلُّفِ بِما لم يُكَلَّفْ
كُتبت منذ 3 أسابيع
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال: رسولُ اللهِ ﷺ:
«هَلَكَ الْمُتَنَطِّعونَ»
|أحمد ومسلم وأبوداود وهو صحيح. الجامع الصغير| ٩٦٢٢ |
· هَلَكَ؛ لِلْهلاكِ أَكثرُ مِنْ تَوصيفٍ، والْمَعْنى هنا: الفَسادُ وانْعِدامُ النَّفْعِ مِنْ صاحِبِهِ، وأَنَّهُ إِنْ بَقِيَ على ذلِكَ حتى ماتَ هَلَكَ بِمِيتَةِ السُّوءِ. أَعاذَنا اللهُ تعالى
· المتنطِّعون؛ الْمُتَقَعِّرونَ في الكَلامِ الَّذِينَ يَرُومُونَ بِجُودَةِ سَبْكِهِ سَبْيَ القُلوب، أو الرغبةَ بالشُّهْرَةِ عَبْرَ لَفْتِ الأَنْظارِ حِرْصاً على مَدْحِهم وثنائِهِمْ.
قال الإمامُ النَّوَوِيُّ رضي اللهُ تعالى عنه: فيه كَراهَةُ التَّقَعُّرِ في الكَلامِ بالتَّشَدُّقِ، وتَكَلُّفِ الفصاحَةِ، واسْتِعمالِ وَحْشِيِّ اللُّغةِ ودَقائقِ الإعرابِ في مُخاطَبَةِ العوامِّ ونَحوِهِمْ.
وقيل: المرادُ بالحديثِ؛ الغالُونَ في خَوْضِهِمْ فيما لا يَعْنِيهِمْ، وقيل: الْمُتَعَنِّتُون في السُّؤالِ عن عَويصِ الْمسائلِ الذي يَنْدُرُ وقوعُها. اهــ من فيض القدير للحافظ المناوي بتصرف
هذا؛ ومِنَ التَّنَطُّعِ السؤالُ عَمَّا لا يكونُ له شاهِدٌ في عالَمِ الْحِسِّ كالسُّؤالِ عن السَّاعَةِ والرُّوحِ وغيرِ ذلِكَ مِمَّا لا يُعْرَفُ إلا بالنَّقْل الصحيحِ والْمُتَواتِرِ.
ومِنَ التَّنَطُّعِ؛ الإكثارُ مِنَ السُّؤالِ الْمُفْضِي إلى التَّشَدُّدِ والتَّحَيُّرِ والوَسواسِ، وذلكَ بِتَوْليدِ السُّؤالِ مَنَ الجوابِ بِتَصَوُّراتٍ واهِمَةٍ، وإِغْلاقٍ مُحْرِجٍ لِمَقاصِدِ الشريعةِ.
قال الحافظُ ابنُ حَجَر رحمه اللهُ تعالى: فَمَنْ سَدَّ بابَ الْمَسائلِ حتى فاتَهُ مَعرفةُ كثيرٍ مِنَ الأحكامِ التي يَكْثُرُ وقوعُها قَلَّ فَهْمُهُ وعِلْمُهُ، وَمَنْ تَوَسَّعَ في تَفْريعِ المسائلِ وتوليدِها سيَّما فيما يَقِلُّ وقوعُها، أو يَنْدُرُ فَإنَّهُ يُذَمُّ فِعْلُهُ. اهــ المصدر السابق باختصار وبعضِ تصرف.
تتمة؛ قلت: ولعلَّ مِنَ التَّنَطُّعِ أيضاً التَّكَلُّفُ في الخِطابِ والحِوارِ، والاسْتِغْراقِ في إبْرازِ مَكْنونِ عِلْمِهِ في غَيرِ مَوْضِعِهِ، كإِمامِ جماعةٍ قارئٍ جامِعٍ يُنَوِّعُ بالقِراءاتِ في الصلاةِ بالعوام، أو بغيرِ أَهلِ الخبرةِ والاختصاصِ، أو يختارُ قراءَةً مغايِرَةً لِقراءَةِ الْمُؤْتَمِّينَ لِمَا فيه مِنَ التَّشويشِ، وعائقِ التَّجَلِّي وقَطْعِ صِلَةِ العبدِ برَبِّهِ بعلة حِجابِ ظُلامِيَّةِ باطِنِ الإثم.
يُضافُ إلى ماذُكِرَ واجِبُ الارتباطِ بتزكِيَةِ النَّفْسِ بمجاهدتها ومخالفتِها لِلهوى الْمُتَعَلِّق بباطِنِ الإثمِ والذي مِنْ أَخْطَرِهِ الرياءُ بالعباداتِ بينَ جموعِ الخَلْق غَفْلَةً عن مُراقَبَةِ الخالِقِ سبحانه القائل: (وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا ليعبدوا ٱللَّهَ مخلصين لَهُ الدِّين حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ ويؤتوا الزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ القيِّمة)
فاللَّهُمَّ! أَعِذْنا مِنَ التَّنَطُّعِ في الأقوالِ والأفعالِ والقُصُودِ، وسَلِّمْ لنا دينَنا الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِنا، وأَحْسِنْ ختامَنا لِلنَّجاةِ والفَوْزِ يومَ معادِنا آمين يا رب العالمين.