الشيخ محمد الفحام
من جوامع الكلم النبوي || 276

من جوامع الكلم النبوي || 276

في ليلة النصف من شعبان بشارةٌ وتذكير بوعْدِ اللطيفِ الخبير

كُتبت منذ شهرين

شارك المقال عبر :

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنَّ رسولُ اللهِ ﷺ
«إنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ في ليلةِ النِّصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن»
| ابن ماجه وأحمد. وانظر تخريجاً وجيهاً لعدد مِنْ محرري تخريج المسند طبعة مؤسسة الرسالة من أهل الاختصاص، ففيه تخريجٌ وجيهٌ لأحاديثِ فضل ليلة النصف من شعبان يقرر صحة المروي عنده بشواهده حديث رقم 6642|  

•ليطلع؛ أي: على عبادِهِ، قال الحافظ المناوي: اللَّامُ إمَّا على بابها أي: من القسم بتضمِين «يَطَّلِعُ» معنى ينظر أي: نظرة رحمة أو بمعنى على. وفي رواية أحمد: «يطَّلِعُ الله عزَّ وجلَّ إلى خَلْقِهِ ..» يَتَجَلَّى على عبادِه في هذه الليلةِ هَلِمُّوا يا عبادي! واطلُبُوا مني ما تشاؤون، فأبوابُ العطايا والإحسانِ مني إليكم مُفَتَّحَةٌ على مصاريعِها.     
•في ليلة النصف من شعبان؛ هي ليلةٌ مباركةٌ. قال في الكشاف: ولها أربعةُ أسماء؛ الليلةُ المباركةُ، وليلةُ براءة، وليلةُ الصَّكِّ، وليلةُ الرحمة. 
•فيغفر لجميع خلقه؛ الأصل في المغفرة: هو الستر، ومَنْ سَتَرُه اللهُ تعالى رَحِمَهُ ولم يَفْضَحْهُ ومَنْ لم رحِمَهُ أكرمَهُ ولم يُشْقِهِ، ومَن أكرمه بما هو أهلُهُ عفا عنه وبَدَّلَ سيئاتِهِ حسنات. هذا؛ ولعل في شمولِ المغفرة تشويقاً لِلطَّمَعِ في رحمةِ اللهِ تعالى بأنَّه يُحِبُّ أنْ يغفرَ لِعَبْدِهِ، وعليه؛ فعلى العبدِ أنْ يُسارعَ في اغتنامِ فُرَصِ دعوةِ الله تعالى إليه وأنْ يَسْتَغْرِقَ الاستغراقَ التامَّ في أَنْوارِ تجليَّاتِ تلك الأوقاتِ الْمُباركةِ، وفي استثنائه تحذيراً مِنَ التَّهاوُنِ وعَدَمِ الاكتراث، فإنَّ مَنْ يغتَنِمْ رياحَ الخيرِ إذا هبَّتْ عليه يَسْتَرْوِحْ بها ويَتَنَسَّمْ عبَقَها لِيَرْجِعَ بعافِيَةِ الأعمالِ مُنيرَ الصفحاتِ بَهِيَّاً مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ صدوقَ اللِّسانِ مُطْمَئِنَّ الجَنان. 
وهذا يقتضي المبلَّغَ عن رسول الله أنْ يُقْبِلَ على اللهِ تعالى كما الشَّأْنُ النَّبويُّ المذكور في حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تقول رضي الله تعالى عنها فيما أخرجه البيهقيُّ: ... فقام أي: في ليلةِ النصفِ من شعبان فَسَجَد ليلاً طويلاً حتى ظَنَنْتُ أنَّه قد قُبِضَ، فَقُمْتُ أَلْتَمِسُهُ وَوَضَعْتُ يدي على باطنِ قدمَيْهِ، فَتَحَرَّكَ، فَفَرِحْتُ وسَمِعْتُهُ يقول: «أعوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عقابِكَ، وأعوذُ برضاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعوذُ بكَ منكَ جَلَّ وَجْهُكَ لا أُحْصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ» فلمَّا أصبحَ ذكرتَهُنَّ له فقال: «يا عائشةُ! تَعَلَّميهِنَّ» فقلت: نعم، فقال: «تعلَّميهنَّ، وعلِّميهنَّ، فإنَّ جبريلَ عليه السلام عَلَمَنِيهنَّ، وأَمَرَني أنْ أُرَدِّدَهُنَّ في السُّجود» فَحَرِيٌّ بنا أنْ نقتدِيَ بالسيِّد الأعظم في معرفة قَدْرِ هذه الليلةِ عَلَّنا نَسْتَوْفِي تُحَفَها فَنَسْعدَ السعادةَ الأبدية، وذلك عَبْرَ القيامِ والذِّكْرِ والدُّعاءِ وكذا الصيام أي في نهارِها فإنَّ لليومِ فضلَ الليلةِ بالتَّبَعيةِ لِلَيْلَتِهِ. هذا؛ ومِنْ أَهَمِّ مُنْطَلقاتِ العملِ الصالحِ للقبولِ تطهيرُ النَّفْسِ ممَّا حَذَّرَ منه ونبَّه صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث.  
•إلا لمشرك أو مُشاحِنٍ؛ وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أتاني جبريل عليه السلام فقال: «هذه ليلةُ النصف مِنْ شعبانَ وللهِ فيها عتقاءُ مِنَ النَّار بعدَدِ شعورِ غَنَمِ كَلْبٍ اسم قبيلةٍ كثيرةِ الغنمِ للإشارةِ إلى كثرةِ المغفورِ لهم لا يَنْظُرُ اللهُ فيها إلى مُشْرِكٍ، ولا إلى مُشاحِنٍ ولا إلى مُسْبِلٍ ولا إلى عاقٍّ لوالدَيْهِ، ولا إلى مُدْمِنِ خمر».والمشاحن: هو المخاصِمُ بمطويِّ العَداوَةِ والبَغْضاء ، وقد حَذَّرَ منها في أكثرَ مِنْ روايةٍ ذلك لَأنَّ الشَّحناءَ مِنْ أَخْطَرِ جوامعِ باطِنِ الإثمِ، فالْمُشاحِنُ حاسدٌ حاقِدٌ مغتابٌ نمامٌ شامِتٌ مُفَرِّقٌ بين الأَحِبَّةِ غَضُوبٌ سريعُ الغَضَبِ بَطِيءُ الرِّضا مُسْتَكْبِرٌ يأْنَفُ إذا نُصِحَ ويُعَنِّفُ إذا نَصَحَ. أقول: فَمَنْ هَذَّبِ نفسَه وزكَّى قلبَه في هذه اللَّيلةِ بالتَّخَلُّصِ مِمَّا يُغْضِبُ اللهَ تعالى، والتَّوَجُّهِ قولاً وعَمَلاً إلى ما يُرضيه لانَتْ جوارِحُه، ورَقَّ فؤادُه، ورجعَ _بإذنِ اللهِ تعالى _ كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ على الفِطْرَةِ الخالِصَةِ، والقَصْدُ السَّليمُ، والهِمَّةِ الزَّاكية، والعافيةِ التَّامَّة في حِسِّ الجارِحَةِ، ومعنى الطَّوِيَّةِ. 
فاللهم! خُصَّنا برحماتك، واجعلنا مِنْ عتقائك مِنَ النَّار في هذه الليلةِ الجليلة المباركة يا غفَّار بحرمة البشير المختار .