خَطَرُ نَقْلِ الحديثِ لِلإفْسادِ
كُتبت منذ 3 أشهر
عن أنسِ بنِ مالِكٍ رضي اللهُ تعالى عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:
«أَتَدْرونَ ما العَضْهُ ؟ نَقْلُ الحَديثِ مِنْ بعضِ النَّاسِ لِيُفْسِدُوا بَيْنَهُمْ»
|البخاري في الأدب|
·أَتَدْرونَ؛ أي: أَتَعْلَمونَ، قال الراغِبُ: الدِّرايَةُ: الْمَعْرِفَةُ الْمُدْرِكَةُ بِضَرْبٍ مِنْ ضُروبِ الحِيَلِ، وهو تقديمُ الْمُقَدِّمَةِ وإِجالَةٌ لِلْخاطِرِ، واستعمالُ الرَّوِيَّة.
·ما العَضْهُ؛ عَنْوَنَ بالاستفهامِ تَنْبيهاً على فَخامَةِ ما يُلْقِيهِ مِنَ الكلامِ لِلإِشارَةِ إلى ضَرورَةِ مَعرِفَتِهِ، وخُطُورَةِ جَهْلِهِ، أو تجاهُلِهِ لسرعةِ إِفساده ووُسْعَةِ شُرورِهِ. والعَضْهُ لُغَةً: الرَّمْيُ بالبُهْتانِ، وعَضَهَ كَمَنَعَ كَذَبَ وجاءَ بالإفْكِ، وأَبْهَتَهُ: قال فيه ما لم يَكُنْ، وسَخِرَ ونَمَّ. اهــ مِنْ فيضِ القدير للحافِظِ المناوي باختصار وتصرف كبيرين.
·نَقْلُ الحديثِ؛ ما يُسْمَعُ ويَتَحَدَّثُ به النَّاسُ مِنْ غيرِ سابِقِ قصدٍ حَسَنٍ أو مَصلَحَةٍ عامَّةٍ أو تأَلُّفٍ للقلوبِ، أو إصلاحٍ لِذاتِ البَيْنِ. أي: بِعَكْسِ ذلكَ فلا يكونُ إلَّا لِلثَّرْثَرَةِ وهَدْرِ الوَقْتِ وَوُسْعَةِ دائرةِ الإثمِ بالإضرارِ.
·مِنْ بَعضِ النَّاسِ إلى بعضٍ لِيُفْسِدُوا بينَهم؛ يَنْقُلُه السَّامِعُونَ إلى الغَيرِ لإلقاءِ العَداوَةِ والبَغْضاءِ، وتلكَ هي النَّميمةُ التي فُسِّرَتْ بأَنَّهُمُ الْمَشْيُ بينَ النَّاسِ بالإفْسادِ. وصاحِبُ هذا الخُلُقِ لاشكَّ أَنَّهُ خَسِيسُ الطَّبْعِ غافِلٌ عنِ العَلِيمِ الرَّقيب مَحْجوبٌ بِظُلماتِ قَصْدِهِ الدنيءِ ذلكَ عن استحضارِ يومِ العَرْضِ الأَكبرِ بينَ يدَيِ الجليل، والسؤالِ العَسِيرِ مِنَ العزيزِ الخبير مَنْ (يَعلم خَآئِنَةَ الأَعيُن وَمَا تخفي ٱلصُّدُورُ)
وهنا القَوْلُ بأَنَّ على المسلمِ الْمُكَلَّفِ الانْتِباهَ لِنَفْسِهِ بِفِقْهِ المآلِ عَبْرَ الفَهْمِ الصحيح لِثوابِتِ الأَخلاقِ بِرابِطِ العقيدَةِ تجريداً لِلْقَلْبِ مِنْ أَجْلِ التَّلَقِّي الصحيحِ والفهم الرشيد لأحكام الله تعالى بالقلب السليم.
وعليه؛ ففي ذلكَ ما فيه مِنْ ثمراتِ الخيرِ لِلمُجْتَمَعِ كُلِّهِ، وبُعداً عنِ الشَّرِّ الخطير الذي حَذَّرَنا منه الصادق المصدوقِ صلى الله عليه وسلم في قولِهِ الشريف: «خيارُ عبادِ اللهِ: الَّذينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ، وشِرارُ عبادِ اللهِ: الْمَشَّاؤُونَ بالنَّميمةِ الْمُفَرِّقُونَ بينَ الأَحِبَّةِ، الباغُونَ لِلْبُرآءِ العَنَتَ». أخرجه أحمد والطبراني
·فاللَّهُمَّ! اجْعَلْنا هادِينَ مَهْدِيِّينَ مُهْتَدِينَ مُؤَلِّفِينَ بينَ القُلوبِ يا عَلَّامَ الغُيوب.