تُحَفُ مُراقَبَةِ اللهِ في الرَّخاء
كُتبت منذ 3 أشهر
عن أبي هريرة رضي اللهُ تعالى عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:
«تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ، يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ»
الجامع الصغير للسيوطي
| أبو القاسم بن بشران في أماليه وعنه القضاعي وغيره وقال بعض الشراح حسن غريب|
·تَعَرَّفْ إلى اللهِ؛ تَقَرَّبْ إليه بالتَّحَبُّبِ عَبْرَ دوامِ الطاعَةِ والذِّكْرِ والتَّبَتُّلِ إليه دائماً مع كُلِّ حالٍ مِنَ الحياةِ بِمَنْهَجٍ نَبَوِيٍّ يُلامِسُ الفِعْلَ والْمَنْطِقَ ومِنْ قَبْلِهما القَصْدُ الحَسُن بالمراقَبَةِ لِلرَّبِّ الجليلِ في ذلكَ ،كُلٌّ بِما يُناسِبُهُ مِنَ الْمَسْنُونِ والْمَشْروعِ، مع البُعْدِ عَنِ الغَفْلَةِ وأَسبابِها والسُّبُلِ الْمُوصَلَةِ إليها
·في الرَّخاءِ؛ في حالَةِ الرَّاحَةِ والاسْتِرخاءِ والشُّعورِ بالاسْتِقْرارِ والأَمْنِ والأَمانِ والدَّعَةِ وَوُسْعَةِ الخَيراتِ والنِّعم، ودوامِ العافِيَةِ، ففي رحابِ ذلِكَ كُلِّه الْزَمْ أيها العبدُ ما يُناسِبُهُ مِنَ القُرُباتِ. فَكثيرٌ مِنَ النَّاسِ من يَغْفُلُ عن ذلكَ فَتَتَراكَمُ على قَلْبِه ظُلُماتُ الرانِ، ثم تكونُ سَبَباً لِلحِجابِ عنِ اسْتقبالِ تَجَلِّياتِ اللُّطْفِ، فَيَقَعُ عندَ البَلاءِ في حِصارِ اليأْسِ والقُنوطِ ورُبَّما يَخْرُجُ عنِ الْمِلَّةِ بِما يَنْطِقُ به مِنْ عَلاماتِ الاعْتِراضِ والسُّخْطِ على ما يقضيه الله تعالى مِنْ كَواشِفِ القَدَرِ، فَيُحْرَمُ ادراكَ الحِكْمَةِ الإلهيَّةِ في ذلكَ كُلِّهِ عافانا اللهُ تعالى وأَعاذَنا وعافانا ممَّا لا يُرْضِيهِ عنا في الحالِ والمآل.
·يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ؛ بأَنْ يُقابِلَكَ بِلُطْفِهِ ورحمتِه مع نُزولِ ما قَدَّرَهُ مِنَ البَلاءِ، كَمَا وَقَعَ للثلاثَةِ الذينَ آواهُمْ الْمَبيتُ إلى الغار، فَهذا هو الْمَدَدُ الكاشِفُ عن توفِيقِهِ وخَفِيِّ لُطْفِهِ كَما في مِحْنَةِ سيدِنا يونُسَ عليه السلام تلكَ التي تَرْجَمَتْ تَعَرُّفَهُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعدُ على اللهِ تعالى، قال تعالى: (فَلَوۡلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ) يعني قَبْلَ البَلاء. وفي البَلاءِ قال تعالى: (فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ)
·تتمة؛ إنَّ دوامَ التَّعَرُّفِ إلى اللهِ تعالى رَهْنٌ بِشُهودِ القَلْبِ لِحِكْمَةِ الرَّبِّ وبأنَّهُ سبحانه أَقربُ إلى عَبْدِهِ مِنْ حَبْلِ الوَريد، وأنه يَعلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى، فلا يَغفلُ عن ذلك أبداً إيماناً وتصديقاً.
وعَلامَتُهُ الذَّوْقُ الإيمانيُّ، والأُنْسُ بالقُربُ مَكانَةً مِنَ القريبِ المجيبِ، فإذا كانَ العبدُ كذلِكَ كَفَاهُ اللهُ تعالى كُلَّ كَرْبٍ في الدُّنيا والبَرْزخِ والحَشْرِ.
فاللَّهُمَّ خُصَّنا بذلِكَ وأَعِنَّا على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عبادَتِكَ، ولا تَجْعَلْنا مِنَ الغافِلِينَ ياربَّ العالَمِين.