بقلم: الشيخ محمد الفحام
كُتبت منذ 3 أشهر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الهدى ودِينِ الحَقِّ سيدِنا محمدٍ وآلِهِ وصحْبِهِ وتابِعيهِمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ؛ وبعدُ؛ فيقول المولى الجليل في محكم التنزيل: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البرِّ والتقوى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان واتَّقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب).
وعليه؛ فَلَوْ وَقَفْنا حيالَ هذا البيانِ الإلهيِّ وِقْفةَ تأَمُّلٍ وتَدَبُّرٍ لأُحيلَ مِنَّا -نحن الْمُكَلَّفِينَ- الكثيرُ مِنَ السَّلْبِ الْمُسْقِطِ لِلْحُقوقِ إلى إيجاب، ولَأَدْركْنا أَنَّ مَدْخَلَ العبوديَّةِ لِلمَعبودِ إنَّما هو ذلِكُمُ البَيانُ الْمُزَكِّي لِلنُّفوسِ، والْمُنيرُ للقُلوبِ، ولَعَلِمَ أَنَّ خَفْضَ جناحِ الأَخِ لأَخيهِ بلوغٌ لِلمُرادِ النبيلِ، ومِفتاحٌ لِتأسِيسِ مُجْتَمَعٍ ناهِضٍ بأَفْرادِهِ مُؤَسِّسٍ لِبُنْيانِهِ بِلَبِناتِ حِصْنٍ مَكِينٍ، وذلكَ هو مَنهجُ الحبيبِ المصطفىﷺ الذي أَحَبَّ لِلأُمَّةِ الهدايةَ والرَّشَدَ ، ورَجا للإنْسانيَّةِ الرَّحْمَةَ الشَّامِلَةَ بِنفوسٍ طاهِرَةٍ لِتَنْأَى عن التَّشَفِّي بالغير، وتَتَعالى عن إِنفاذِ الغَيْظِ بِكَظْمِهِ، بل وبالعفوِ تَخَلُّقاً بمعنى اسْمِهِ تعالى العفو، وَوُصولاً إلى مَكارمِ النُّبُوَّةِ التي جَمَعَتْ ولم تُفَرِّقْ، وتَمَّمَتْ ولم تُفْسِدْ، وتَماسَكَتْ ولم تَهْدِمْ، لِتَغْدُوَ كالجَسَدِ الواحِدِ والبُنيانِ المرصوصِ يَشُدَّ بَعْضُهُ بعضاً، وهنا القولُ عَزيزي القارئ؛ أُمَّةٌ تَنْتَهِجُ مَنْهَجَ الحبيبِ الأكرمﷺ في تعريفِها النَّاسَ بهويَّتِها الشَّخْصِيَّةِ لَنْ تُضامَ، ما اسْتَمْسَكَتْ ودامَتْ على ذلِكَ. أُمَّةٌ تَنْهَضُ بِبَعْضِها البَعْضِ مُسْتَضِيئَةً بالبيانِ الإلهيِّ :(سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخيكَ) لن تُضامَ أَبَداً أُمَّةٌ تَسْتَعِينُ بِبَعْضِها على الحَقِّ، ولا تُعِينُ عَدُوَّها عليها لَنْ تُضام أُمَّةٌ أَفْرادُها يُطالِبُونَ أَنْفُسَهُمْ بما عليهم لِغَيْرِهِمْ لَنْ تُضامَ لِذا وبِقَلْبٍ مُطْمَئِنٍ نَقولُ بِناءً على ذلكَ التَّماسُكِ والبُنْيانِ الْمَكِينِ:
أَلا حَيْهَلاً بالتَّراحُمِ والتَّعاضُدِ ألا مَرْحَباً بالحِرْصِ على الحَلالِ، والبُعْدِ عن الحرامِ. ألا مَرحَباً بإِلْفِ القُلوبِ وصافي الأُخوَّةِ، وبُعْداً لِلشِّقاقِ والنِّفاقِ وسوء الأخلاق.
ألا مَرْحَباً بِرَفْعِ الظُّلْمِ، والبُعْدِ عن نُصْرَةِ الظُّلْمِ والظالِمينَ. ألا مَرْحِباً بإِحقاقِ الحَقِّ وإِزْهاقِ الباطِلِ. ألا مَرْحَباً بِصِلَةِرَحِمِ الإنْسانِيَّةِ بِمكارِمِ خَيْرِ البَرِيَّةِﷺ.
ألا مَرْحَباً بِمُجْتَمَعٍ يَسُودُهُ الإيثارُ بِنَفْيِ التَّنازُعِ والاسْتِئْثارِ. ألا مَرْحباً بِنظامِ الحُبِّ الخالِصِ الْمُثْمِرِ رضَى عَلَّامِ الغُيوبِ سبحانَه. ألا مَرْحَباً بِحِفْظِ الكَراماتِ، وبُعْداً لِلإهانات.
ألا مَرْحَباً بأَداءِ الأَمانات، وَوَضْعِ أَهلِها مَوْضِعَهُمْ مِنْ أَهلِ الاخْتِصاصات. أجل!! مَرْحَباً وحَيْهَلاً بِسَلامَةِ الصُّدورِ بِكَمالاتِ الإيمانِ في نِظامِ العقيدَةِ السَّلِيمَةِ.
والآن اسْتَقْرِئْ معي قارئي المؤمِنَ حَرْفَ التَّناصُحِ الآتي بينَ وَلِيِّ أَمْرٍ، وَوَلِيٍّ مِنْ أولياءِ اللهِ تعالى الْمُتَفَرِّدِينَ؛ رُوِيَ أَنَّ الخَليفةَ الرَّشيدَ بَحَثَ يوماً عَمَّنْ يَسْتَنْقِذُهُ مِنْ كبرياءِ نَفْسِهِ التي غَلَبَتْهُ وهو في صِراعٍ طويلٍ مَعَها، فَدُلَّ على الوَلِيِّ الرَّبانيِّ الجليلِ الفُضَيْلِ بنِ عياضٍ رضي اللهُ تعالى عنه فانْطَلَقَ إليه، ثم جَلَسَ بينَ يَدَيْهِ يَسْتَجْدِيهِ نُصْحاً يُنْقِذُهُ مِنْ عاجِلِ العذابِ وآجِلِهِ فقال له: يا أميرَ المؤمِنينَ! إذا أَرَدْتَ النَّجاةَ يومَ القِيامَةِ، فَصُمْ عنِ الدُّنْيا، وأَفْطِرْ على الموتِ -يَعني حُسْنَ الختامِ بِضَمانِ اللِّقاءِ الحميدِ بالرَّبِّ المجيد- يا أميرَ المؤمِنينَ! إذا أَرَدْتَ النَّجاةَ يومَ القِيامَةِ فاجْعَلْ كبيرَ المسلمينَ أَباكَ، وأَوْسَطَهُمْ أَخاكَ، وصَغيرَهُمْ ولَدَكَ، فَبُرَّ أَباكَ، وصِلْ أَخاكَ، وتَحَنَّنْ على وَلَدِكَ، ومُتْ بعدَ ذلِكَ مَتى شِئْتَ. أي: وأَنْتَ بذلِكَ ضامِنٌ حُسْنَ الختام. ختاماً؛ اعلموا يا أيها المؤمنون! بأَنَّ يَدَ اللهِ معَ الجَماعَةِ، وعلى الجَماعَةِ كَمَا وَرَدَ في الأَثَرِ النَّبَوِيِّ الصحيح، والعلماءُ يُشيرونَ إلى أَنَّ الْمَعْنَى جماعةٌ على الجَوْهَرِ والْمَظْهَرِ ذلكَ أَنَّ الله (يعلم خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخفي الصدورُ).
وعليه؛ فَلا فِئَوِيَّةَ، ولا تَمْزيقَ، بل لُحْمة أخوية بلا تفريق، ولا إِلْغاءَ ولا إِقْصاءَ فاللهم! اجمَعِ الشَّمْلَ وَوَحِّدِ القلوبَ، ورُدَّها إليكَ يا عَلَّامَ الغُيوب، وأَلِّف بينَ أهلها كَمَا أَلَّفْتَ بينَ قلوبِ أَصحابِ نَبِيِّكَ الحبيبِ المحبوبِﷺ آمين آمين يا ربَّ العالَمِين. وبعد؛ (ٱلَّذِينَ إِن مَّكنَّاهُم فِي الأرض أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهوا عَنِ المنكر وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ الأمور).